الظامئون /// عدويه الهلالي
05/12/2017
الكاتب عدويه الهلالي صفحة الكاتبه على الفيسبوك https://www.facebook.com/profile.php?id=100000218661237&fref=nf
الظامئون
*عدوية الهلالي
في أواسط السبعينات ، اصطحبني والدي لمشاهدة مسرحية عرضتها دائرته الزراعية وجسد ادوارها عدد من موظفي الدائرة ..لاأذكر عنوان المسرحية لكني اتذكر انها كانت تتناول موضوع الجفاف ..بالرغم من صغر سني ، شعرت بما يعانيه المزارع حين تجف أرضه وتموت مواشيه ..لم أفهم بالطبع سبب ظمأ الارض الى المياه ولماذا يردد الممثلون اسم نهر الفرات وكيف قطعته أياد خارجية بهدف تجفيف اراضينا الزراعية لكني أدركت ان هناك خطر ما يتهدد بلدي ، واذا كانت كتب التربية الوطنية قد علمتنا ان أرض الوطن هي أغلى مالدينا وعلينا أن نحميها بأرواحنا من الخطر ، فالماء هو شريان الحياة على هذه الارض وبدونه يحل القحط والجفاف وهذا هو الخطر الذي كان يهددنا كما يبدو !!
الآن ، وبعد ان واجهنا كل انواع الاخطار من حروب عسكرية وحصار اقتصادي وارهاب خارجي وعنف طائفي وفساد حكومي ، لازال بانتظارنا تهديد جديد لبلد لايمكن له أن يحظى بالراحة والاستقرار ..انها ( حرب المياه) التي يتنبأ بها المحللون السياسيون والمختصون في مجال الموارد المائية ، اذ تنبأ علماء المناخ أولا ان نسبة الجفاف الذي سيواجهه العراق ستزداد ابتداءا من هذا العام ، ثم جاء دور المختصين في مجال الموارد المائية ليتحدثوا عن دور دول الجوار في التحكم بمنابع دجلة والفرات بما يقلل من حصة مياهنا منها وبالتالي تعرض اراضي العراق الى موجة من العطش ستقضي على مستقبل الزراعة والصناعة والثروة الحيوانية فيه ..
منذ أن حطت الديمقراطية واصحابها رحالهم في ديارنا ، تعلمنا كيف نخرج في تظاهرات للمطالبة بحقوقنا ، نحن ( الظامئون) الى الحرية والديمقراطية .. نعترف اننا استمتعنا طوال مايقارب عقد ونصف من السنين بحرية التظاهر ..ربما لم تتحقق مطالب أغلب تلك التظاهرات لكننا طالبنا بحقوقنا علانية كنوع من ( المسكنات ) لمعاناتنا الممتدة على مدى عقود ..اليوم ،يخرج المواطنون ليطالبوا بحقهم في مياه البلد ..انه ( الظمأ ) الحقيقي هذه المرة ..فالحرب الجديدة لن تستخدم فيها الأسلحة ولن تسيل فيها دماء لكنها ستجفف أرض بلادنا ومنابع الأمل في أرواحنا بالعيش في بلد لايتهدده خطر ما ..
في حوار تلفزيوني ، يطل علينا وزير الموارد المائية ليعترف صراحة انه عاجز عن محاسبة المتجاوزين على حصص المياه الضئيلة التي تصلنا من الخارج بسبب تحكم دول الجوار في منابع انهارنا ..وفي المحافظات الجنوبية ، تلوح في الأفق نزاعات مستقبلية وترفع قضايا ضد الحكومات المحلية ويشير الاهالي الى تدخل الاحزاب التي باتت تدس انفها في كل شأن من شؤون العراق ..أما آن لنا أن نرتاح اذن ..لقد انتهى زمن تنظيم القاعدة ..وتم وأد الفتنة الطائفية ..وهاهي داعش تحتضر ..ومحاربة الفساد تصبح من أولويات المسؤولين حتى لو كان ذلك محض شعارات ، ولكن ، كيف سيمكن التحكم في الأيدي الخارجية التي تخنق اوردة المياه وتتحكم بشرايين البلد ..وتهددنا بجفاف وقحط وانهيار اقتصادي وحاجة دائمة الى منتوجات خارجية ؟..يبدو اننا سنظل ظامئين اذن ...ليس الى المياه فقط بل الى التحرر من تحكم الاخرين واختلاق حروب لابد أن نخوضها ..ان لم يكن بالسلاح ..فبالحاجة الى الماء ..والسيادة ...